شهدت بطولة أفريقيا فى عام 2006 - والتى فاز بها فريقنا القومى - ملحمة جماهيرية مصرية جديدة ورائعة , ربما أعطتنا مؤشر ببدء دخول جمهورنا فى طور التشجيع الحضارى و" المحترم " فى مدرجاتنا .
ثم بدأت بعد ذلك كل مجموعة من جماهير أى ناد فى تأسيس ما تم تسميته بـ " الرابطة " , فظهرت رابطة عشاق الزمالك ورابطة محبى الأهلى وغيرها وبدأت تنتشر الفكرة , ثم تلتها بعد ذلك فكرة أخرى تمثلت فى الجموع المُسماة بـ " الألتراس " !! , وهم مجموعة من المشجعين الشباب ذوى الحماس والحب الشديد لناديهم , وتواجدهم فى المدرجات يكون وفق قانون ما.. يقتضى وقوفهم طوال ال90 دقيقة - أو حتى ال120 دقيقة - لتشجيع فريقهم , مُرددين هتافات أشبه بالأغانى يقومون بتأليفها للشد من أزر فريقهم , على أن تكون الأغانى مُغلفة بالحماس والكلمات التى تُعمق من الإنتماء للكيان .
وهنا ظهرت فى المدرجات الأغانى التشجيعية التى يقوم بتأليفها أفراد الألتراس , ثم بعد ذلك ظهرت الشماريخ , والبانرات , والتيفوهات , والدخلات , وغيرها من أدوات ووسائل التشجيع التى - كما يقولون عنها - متحضرة أو " مودرن " .
رويدا رويدا بدأت تلك المجموعات فى الإنتشار بين الأندية المصرية - بما فيها أندية الشركات - ووصلت لمرحلة أنها أصبحت من مراكز القوى ضمن المنظومة الكروية لأى نادى , وبدأت تتدرج فى النفوذ المعنوى داخل المدرجات إلى أن بلغت الحد الذى أقدمت معه إدارات الأندية على التواصل معهم لمطالبتهم بالتشجيع المثالى والكف عن أى شغب .
فى البداية أذهل أفراد الألتراس باقى جماهير الكرة المصرية أو بمعنى أدق " المشجعين القدامى " , لكن سرعان ما ظهر الوجه الآخر لهم , وشرعوا فى تأليف أغانى أخرى لسب منافسيهم وعدم الإكتفاء بالهدف الأساسى من تواجدهم ألا وهو تشجيع فريقهم ومؤازرته بكل ما لديهم من قوة وحماس , وربما كانت تلك الخطوة من جانبهم بمثابة أول مسمار فى نعش الكرة المصرية وفى نعش قيمة المدرجات والتشجيع .
وتلى تلك الخطوة خطوات أخرى ومناوشات أخذت فى التدرج والتصاعد ما بين حرق أوتوبيسات لاعبين والإشتباك مع بعضهم البعض , ناهيك عما يقترفوه من محاولات لخطف بانر ألتراس الفريق المنافس أو أشياء من هذا القبيل معتقدين أن نجاحهم فى هذا الأمر يعد إنتصار يضاهى إنتصار قطز على التتار !!!! .
وإستمرت الأمور على هذا المنوال إلى أن بلغ التعصب - بسبب طيش مجموعة شباب - مداه , وإرتفعت حده هذا التعصب مع التزايد المستمر فى البرامج الرياضية والقنوات الفضائية التى أصبحت كالجراد على الشاشات , ومن هنا بلغت درجات الإحتقان أقصى حد , وأصبحت الجماهير فى حالة تحفز وترقب دائمين لبعضهم البعض , وأصبحنا كمن يستعد للدخول فى حرب مع إبن بلدته التى يحمل جنسيتها , وكل ذلك من أجل كرة القدم اللعبة التى تهدف بالأساس إلى إمتاع الجماهير وقضاء وقت فراغ مثير ومسلى سواء فاز الفريق أو تعادل أو خسر فكل النتائج واردة . ولكن فى أوروبا كرة القدم لا تتخطى كونها لعبة وهدفها المتعة , فهم لا يخرجونها عن هذا الإطار أبداً .. بينما الألتراس جعل من تشجيع الأندية فى مصر معنى آخر وصل لدرجة إستعدادهم للتضحية بأرواحهم من أجل ناديهم !! .
وهنا لنا وقفة , هل أندية الكرة بلغت من القيمة والعظمة فى نظرنا ما يدفعنا للتضحية بأرواحنا من أجلها ؟! , هل أصبح كل ما نطمح إليه كمشجعين محبين لكرة القدم هو أن نفدى أنديتنا بأرواحنا ؟!!! , إنها لعبة كرة القدم , هدفها المتعة , وسمتها الإثارة , وشعارها الحماس والقوة , وهى فى النهاية رياضة , تسمى بالنفس البشرية وتقرب الشعوب , فما بالك بأبناء البلد الواحد ؟!! .
عودة للأزمة التى حلت بالكرة المصرية المُسماة " بالألتراس " , إستمرت الأمور فى التصاعد مابين مشاحنات جماهير تارة وإثارة الإعلام للجماهير تارة أخرى وإحتدمت قوة الصراع بين جموع الألتراس .. إلى أن جاءت أحداث بورسعيد لتكتب النهاية القبيحة لموضة تشجيع تناسى أفرادها مبدئها الأساسى وهدفها الرئيسى وهو تشجيع الفريق طوال ال90 دقيقة دون توقف والإستمتاع بفنون كرة القدم وإنصرفوا إلى أمور تافهة أدت فى النهاية إلى ما نحن فيه .
نعم يا سادة فأحداث بورسعيد لم تكن بسبب مؤامرة أو قصور أمنى فقط بل إن جنون الألتراس أيضا له دور كبير فى وضع بذور النبات الفاسد الذى أسفر عنه 74 قتيل نحسبهم عند الله شهداء , حيث أن لافتة " بلد البالة مجابتش رجالة " التى رفعها جمهور الأهلى اثارت جمهور بورسعيد , فضلا عن ظهور لقطات لبعض أفراد جمهور الأهلى وهم يلقون بالشماريخ على جمهور المصرى والبعض الآخر يقوم بإقتحام الملعب , كل ذلك - بجانب التقصير الأمنى الواضح والبيّن - أدى إلى الكارثة التى أودت بأرواح العديد من المصريين !!! .
أخيرا إذا ما كان الألتراس سيستمر فى المدرجات بالشكل الذى كان عليه قبل أحداث بورسعيد فأنا أطالبهم بتجميد نشاطهم - على الأقل حتى لا تكن هناك فرصة للمتربصين لوضع الخطط والمؤامرات - أما إن كانت نيتهم هى العودة لصوابهم وإتباع أسلوب التشجيع المثالى المصحوب باللافتات الهادفة والتابلوهات التشجيعية الجميلة فأهلاً بهم .
خارج الموضوع :- أم المشجع الأهلاوى الذى ذهب لبورسعيد وعاد مقتول لن تنطفئ النيران فى قلبها بهبوط المصرى للدرجة التانية كما يضغط مسئولي الأهلى ومحلليه على القناة الخاصة بالنادى , فما دخل حق من تم قتلهم بهبوط المصرى !! , أو لنجعل الأمور أوضح قليلا .. إذا قام أحد البلطجية بقتل أخى , هل أطالب بأن يتم إعدامه أم أطالب بأن يترك هو وأهله منزلهم ويتوجهوا لمنطقة أو محافظة أخرى !!! .
لا يصح فى تلك الأوقات الحرجة التى تمر بها مصر أن يخرج علينا المتحدث الرسمى بإسم النادى الأهلى بتصريح يقول فيه أن الأهلى سيرد بقوة على تلك العقوبات , ولا يصح أن يخرج جمهور بورسعيد فى مظاهرات ويدخل فى إشتباكات مع أفراد الجيش , ألا تدركون مدى صعوبة الفترة التى تمر بها بلدنا ؟! .
يا مسئولي الأهلى :- أليس التجميد لعامان واللعب خارج الأرض لثلاثة أعوام عقوبة كافية ؟ , أم إن هبوط المصرى هو من يرضى غروركم ويعيد حق من ذهبت أرواحهم من وجهة نظركم ؟
هل ترغبون فى أن تقف الدنيا بأكملها من أجلكم وأنتم تلعبون بطولة أفريقيا ؟ لماذا تقاطعون البطولات المحلية بحجة الحداد على ضحايا بورسعيد وتشاركون فى بطولة أفريقيا وكأنها تُلعب باليد مثلاً ؟
يا جماهير المصرى :- ألا يستحق ناديكم العقاب وألا تستحقم العقاب لما حدث ؟! , ألا ترون أن هناك مأساة حدثت على أرض محافظاتكم تستوجب العقاب والعقاب الشديد .
مهلا يا سادة , مصر أغلى و أكبر من الأهلى والمصرى وأى نادى آخر , مصر أولى بالتفكير فى مصلحتها على حساب أى كيان آخر داخلها , والمصريين العقلاء لن يسمحوا للمهاترات الرياضية بأن تدمر مستقبل بلدهم أبداً .
يا إعلامنا الفضائى المبجل , كفى جدال وحديث ومهاترات , كفى صراعات وتوجهات ومضايقات , كفى ظهور على الشاشات بالثلاث والأربع والخمس ساعات , فالتعصب الذى أشعلتم نيرانه منذ ظهور برامجكم لم تشهده بلدنا منذ بدء لعبة كرة القدم فى مصر سنة 48 .
أرجوكم تعبنا , أرجوكم إرحمونا .
شاهد الفيديوهات
|