عاطف قمر الدولة (القاهرة) – سهى الوعل (جدة) : اشفق عليه من لا يعرفه من تولي مثل هذه المهمة الثقيلة أما من يعرفه فقال هو لها وهاهم اليوم من قالوا هو لها أصبحوا في صف المشفقين عليه لما تلقاه سمعته و نزاهته من تشكيك خاصةً بعد أن عُقدت أول جلسة لمبارك ونجليه وباقي المتهمين بعيداً عن الإعلام وترصادته في 5 سبتمبر.. إنه المستشار احمد رفعت رئيس الدائرة الخامسة بمحكمة جنايات شمال القاهرة التي يحاكم أمامها الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير داخليته الأسبق حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم والمتهمين بتهم الفساد واستغلال النفوذ والتحريض علي قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير. .تلك المحاكمة التي وصفت بأنها محاكمة القرن.. لما لا؟؟ وهي تشهد سابقة لم تحدث في تاريخ الوطن العربي الحديث من قبل وهي أن يُحاكم شعب رئيسه, بل لم تقف عند الرئيس فقط كما حصل مثلاً مع صدام حسين والشعب العراقي بل امتدت لنجلي مبارك وأركان نظامه السابق ذلك النظام الذي ظل يحكم مصر 30 عاما منذ 1981م.
ولمن لا يعرف المستشار احمد رفعت فاسمه بالكامل أحمد فهمى رفعت من مواليد اكتوبر 1941 بمنطقة الحلمية الجديدة بالقاهرة والتي قضي بها سنواته الأولي ثم انتقل مع اسرته الي حي مصر الجديدة . والده المهندس فهمى رفعت من أوائل المهندسين الذين عملوا في بناء السد العالي له اثنين من الاشقاء الكبرى وداد مديرة مدرسة بالمعاش والثاني الصحفي عصام رفعت رئيس تحرير مجلة الأهرام الاقتصادي السابق .
أما من يعرفون المستشار رفعت فيشهدون له بالنزاهة والكفاءة والحزم والصرامة وبأنه لا يخشى في الحق لومة لائم ، كما يشهدون له بتاريخه القضائي المشرف الذي جعل الكثيرين يترقبون محاكمة مبارك وباقي المتهمين بروح الثقة التي لطالما كانت ضعيفة في السابق خوفاً من تدخل الفساد الذي لطخ نقاء كل شيء و أي شيء وهاهي رموزه اليوم تقف داخل القفص في انتظار محاكمة تثق نسبة كبيرة في نزاهتها بعد ثلاثة عقود من الشك والريبة في نزاهة أي شيء.
والنظر في قضايا الرأي العام ليس بجديد علي المستشار رفعت فقد سبق وأن نُظرت أمامه الكثير من قضايا الرأي العام مثل قضية بنك مصر إكستريور والتي كان متهما فيها عبدالله طايل رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب السابق ورئيس مجلس ادارة البنك السابق و18 من كبار موظفي البنك ورجال الأعمال بتهم الاستيلاء وتسهيل الاستيلاء على المال العام وغسل الأموال والتزوير ، كما نظر القضية المعروفة بـ«قضية الآثار الكبرى» والتي حوكم فيها 7 متهمين بتهريب كميات كبيرة من الآثار المصرية .وقضية " التنظيم القطبي " التي أفرج فيها عن 16 من قيادات جماعة " الإخوان المسلمون " كان علي رأسهم الدكتور محمود عزت نائب مرشد الجماعة . كما يحسب له تنحيه عن التحقيق مع المستشارين هشام البسطويسي ومحمود مكي نائبي رئيس محكمة النقض اللذان أحالهما وزير العدل السابق ممدوح مرعي للتحقيق بعد أن أعلنا تزوير الانتخابات البرلمانية المصرية عام 2005 . كما تنحى عن قضية الشاب الإماراتي أسامة محمود السكسك قاتل فتاة مصر الجديدة لاستشعاره الحرج مما أثار الرأي العام وقتها.. ورغم الفارق الكبير بين كل هذه المحاكمات ومحاكمة الرئيس السابق من وجهة نظر العامة الا أن المستشار احمد رفعت له مقولة شهيرة في هذا الا وهي " كل القضايا واحدة أمام القضاء " .. ولو أننا نعلم جيداً أنه وفي هذه القضية بالذات سيلقى ما يلقى من الشائعات التي ستجعله في حال صراع دائم بين مبادئه ومقولته الشهيرة تلك ومخاوفه من انهيار تاريخه القضائي ذو السمعة البيضاء..
ورغم بلوغ المستشار أحمد رفعت عامه السبعين في السابع عشر من أكتوبر المقبل 2011وهو سن تقاعد القضاة المعمول به وفق آخر تعديل في قانون السلطة القضائية ، إلا أنه سيظل في منصبه كرئيس للدائرة التي ستحاكم مبارك حتي نهاية العام القضائي الجديد في 30 يونيه 2012 طبقا لقانون السلطة القضائية والقرارات الوزارية الصادرة في ذلك الشأن .
ورغم الأجواء الاستثنائية والظروف والملابسات المحيطة بتلك المحاكمة من رأي عام منقسم ما بين مؤيد ومعارض لها, فمنهم من يري ضرورة سرعة المحاكمة واصدار حكم سريع فيها بل ذهب البعض بعيدا وطالبوا بالحكم بإعدام المتهمين حتي قبل أن تبدأ المحاكمة مستبقين بذلك حكم القضاء ، فيما يري البعض الأخر ضرورة أن تجري المحاكمة كأي محاكمة عادية ، وعليه فعنصر الوقت يلعب دورا كبيرا في هذه المحاكمة أولا من وجهة نظر الرأي العام وثانيا من حيث اقتراب وقت خروج المستشار أحمد رفعت للمعاش في نهاية شهر يونيه المقبل حيث انه اذا لم يصدر حكما في هذه القضية حتي ذلك الحين سيعاد نظرها أمام دائرة أخري تبدأ في نظر وقائع القضية من جديد . هذا من جهة , أما من جهة أخري يبقي أمر تحقيق العدالة بغض النظر عن المتهمين وصفاتهم ومناصبهم السابقة حقا لا مناص ولا مفر منه ، فالعدل أساس الملك . وهنا نرى أن القاضي كمن يقف بين المطرقة والسندان.. مطرقة الرأي العام المنقسم واقتراب سن خروجه للمعاش وسندان العدالة .
إلا أننا على يقين أن المستشار رفعت بعيدا عن كل هذا لا يشغله من الأمر شيء سوي تحقيق العدالة والعدالة فقط من خلال الأدلة والبراهين والوقائع المادية الثابتة ثبوتا يقينيا أمام هيئة المحكمة برغم كل ما قيل عنه خلال العدة أيام الماضية ابتداءً من موعد انعقاد أول محاكمة لمبارك ونجليه وباقي المتهمين بعيداً عن أعين الإعلام.. حيث لمح الكثيرين إلى أن المستشار رفعت وبمجرد انعقاد أول جلسة بعيداً عن عدسات المصورين والتلفزيون قد لبس قناعاً جديداً و أصبح أكثر حدة و أكثر شدة مع محامي المدعين بالحق المدني وكأنهم يتهمون المستشار رفعت بطرقهم الملتوية أنه يسير بالمحاكمة ناحية براءة الرئيس السابق و نجليه وباقي المتهمين عمداً و أنه تحول من شخص عادل و قاضي نزيه إلى قاضي بعيد كل البعد عن الحيادية!
ولكن تاريخ المستشار أحمد رفعت الذي درسناه جيداً يؤكد لنا يوماً بعد يوم أنه مهما حاول بعض ممثلي الرأي العام تخويفه و تخويف المحكمة من التشهير بهم وبسمعتهم فإن المحكمة لن تنصرهم إلا اعتماداً على المعطيات فقط والأدلة الملموسة وخير شاهد علي ذلك جملة للمستشار رفعت نفسه يسطرها بحيثيات احكامه جميعا وهي " أنا أحكم من خلال الأسانيد والأوراق والبراهين والرأي العام لن يعفيني عند مقابلة رب كريم " وأحكامه وقراراته السابقة تدل على حياده التام وأنه لا يصدر أحكامه الا وفق نص القانون .
ورغم قرار المحكمة بوقف بث وقائع المحاكمة علي الهواء مباشرة بداية من الجلسة التي عُقدت في الخامس من سبتمبر حفاظا علي الصالح العام بحسب قرار المحكمة ، ورغم تعالي الاصوات التي تنادي بضرورة نقل وقائع المحاكمة لأسباب عده كثيرة ومتنوعه الا انه بالتأكيد ليس من بين هذه الاسباب التحقق من ملامح وجه المستشار احمد رفعت رئيس المحكمة وذلك بعد أن أصبحت صورته بملامحها شديدة المصرية مطبوعة في ذاكرة الجميع في مصر والعالم العربي علي ولا نبالغ إذا قلنا في العالم أجمع لما تحظي به تلك المحاكمة من متابعة.. فالجميع و عند متابعة الجلسات التي سُمح للإعلام بتصويرها و بثها لم يكن يدرس أي شيء وحتى مشهد مبارك ونجليه داخل القفص بقدر اهتمامهم بدراسة تعبيرات وجه المستشار أحمد رفعت و استقاء كافة أفكاره و انفعالاته لبناء أي توقعات للقرارات التي ستخرج بها الجلسات.
ولأن القدر له حساباته الخاصة وبرغم أن هناك من دفع عمره بحثاً عن تصدر العالم والتربع على عرش القمة كالأفضل والأثرى و الأكثر شهرة فهاهو اليوم المستشار احمد رفعت قد دخل التاريخ من اوسع أبوابه وأصبح اشهر مشهور مع أنه لم يسعى يوماً خلال تاريخه القضائي العريق خلف أياً من ذلك .. ولكن كما قلنا فهذه حسابات القدر التي لطالما تأتي بخلاف توقعاتنا والتي كتبت للمستشار أحمد رفعت كل ذلك منذ اليوم الذي أعلن فيه المستشار السيد عبد العزيز عمر رئيس محكمة استئناف القاهرة عن اختيار دائرة الجنايات التي يرأسها رفعت ليحاكم الرئيس السابق وأعوانه أمامها ..
أحمد رفعت القاضي الأشهر اليوم تحت بقعة ساخنة من الضوء على خلاف باقي الأيام السابقة, برغم أنه ومنذ بدء المحاكمة و كلنا نعلم أن المستشار أحمد رفعت يعيش أكثر فترات حياته توتراً إلا أن الفترة القادمة ستكون أصعب و أصعب خاصةً بعدما قام المحامي بالنقض الدكتور عبد الفتاح مصطفى منذ مدة برفع دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة طالب فيها بإلزام وزير العدل المستشار عبد العزيز الجندي بإصدار قرار بإحالة المستشار أحمد رفعت وعضوي دائرته إلى لجنة الصلاحية (أي أنه شكك في صلاحيتهم كقضاة يترأسون هذه المحاكمة) لارتكابهم ما يمس السلطة القضائية وما يتعارض مع مكانتها.. حيث اعترض في دعواه على سماح المحكمة لمبارك بحضور الجلسات مستلقيا على ظهره وهو الذي لم يتم تشخيص مرضه بأنه يعاني في ظهره أو عموده الفقري بأية مشكلة مما يجعل استلقاءه بهذه الطريقة يبدو و كأنه تحدي للقضاء و الحضور لأن بإمكانه الحضور على كرسي متحرك .. خاصةً و أنه وهو في وضع الاستلقاء الغير مبرر تكون قدماه في مواجهة المنصة وجمهور المتقاضين !!
كما اعترض في دعواه على سماح المحكمة للعادلي بالجلوس على مقعد أمامي منفردا بحيث يجلس باقي مساعديه الستة المتهمين خلفه وكأنه لا يزال يرأسهم و يديرهم .. وهو ما رآه الدكتور عبد الفتاح مصطفى صورة دكتاتورية تدل على سطوة النظام السابق برغم كل ما يحدث وتمثيل غير عادل للعدالة يبدأ من قفص الاتهام على مرأى من المحكمة و أمام كل العالم..
كما اتهم الدكتور عبد الفتاح مصطفى الدائرة بمخالفة القانون لعدم إصدارها قرارا بفصل قضية قتل المتظاهرين عن التربح واستغلال المال العام برغم أنهما قضيتين مختلفتين تماماً لا يجوز التعامل معهما بنفس الطريقة.
كل هذا و أكثر ما يمكن اعتباره حمل ثقيل لا يقوى أحد على احتماله فكيف بالمستشار أحمد رفعت الذي ناضل عشرات السنين من أجل سمعة نزيهة ستعرضها للخطر و ستضعها في مواجهة المجهول محاكمة مبارك و نجليه و باقي المتهمين بلا رحمة.. ولم يقف الامر عند دعوي عدم الصلاحية بل وصل الحال بالمحامي عبدالعزيز عامر وبعض محاميي المدعين بالحق المدني بإقامة دعوي رد لهيئة المحكمة مؤجل نظرها ليوم 22 من اكتوبر الجاري بدعوي ان هيئة المحكمة تعاملهم معاملة لا تليق بهم كما ادعوا أن المستشار رفعت سبق ندبه لرئاسة الجمهورية وهي المعلومة التي نفاها المجلس الأعلى للقضاء ويبقي الفصل في دعوي الرد ركنا اساسيا في خط سير المحاكمة فلو قبلت فسوف يبدأ نظر الدعوي من جديد أمام دائرة أخري اما لو رفضت دعوي الرد فتستمر الدائرة الحالية في محاكمة الرئيس السابق واركان نظامه في الجلسة المحدد لها يوم 30 اكتوبر القادم .
الا أنه ووفق الاعراف القضائية فغالبا ما يتنحى القاضي الذي رفعت ضده دعوي رد من أي من خصوم الدعوي من تلقاء نفسه حتي في حالة رفض طلب الرد وذلك رفعا لأي حرج عن كاهل المحكمة بعد طلب الرد فهل يتنحى المستشار رفعت وباقي اعضاء الدائرة من تلقاء انفسهم لتعود القضية للمربع صفر وتبدأ اجراءات المحاكمة من نقطة البداية من جديد أم يستمرون في نظر الدعوي ؟ يبدو أن تلك المحاكمة ما زال في فصولها الكثير التي لم نشاهدها بعد لتستحق عن جدارة محاكمة القرن أو محاكمة العصر . أما لو استمرت المحكمة في نظرها فلنرضي بحكم القضاء " ان الحكم الا لله " ونقول وقتها لهيئة المحكمة الموقرة أقضوا ما انتم به قاضون فأنا لقضائكم مطمئنون .
شاهد الفيديوهات
|